الأحد، 4 يوليو 2021

رد الشيخ الألباني على الغزالي في مسألة الغناء و بيان أنه مقلد لا يفقه شيئا في علم الحديث

رد الشيخ الألباني على الغزالي في مسألة الغناء و بيان أنه مقلد لا يفقه شيئا في علم الحديث

قال الشيخ الألباني في مقدمة كتابه تحريم آلات الطرب ردا على الغزالي و من وافقه من أمثال أبو زهرة و القرضاوي:

إن القيد الذي شرعه من عنده أي الشيخ الأزهري (أبو زهرة): أن لا يثير الغريزة الجنسية، وقد قلَّده فيه بعض تلامذته كالشيخ القرضاوي والغزالي وغيرهما، فقال الأول كما سيأتي نقله عنه في هذه المقدمة، مفصحاً: "ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة" يعني الغناء!

فأقول: هذا القيد نظري غير عملي، ولا يمكن ضبطه، لأن ما يثير الغريزة يختلف باختلاف الأمزجة ذكورة وأنوثة، شيخوخة وفتوة، وحرارة وبرودة، كما لا يخفى على اللبيب.

وإني والله لأتعجب أشد العجب من تتابع هؤلاء الشيوخ الأزهريين على هذا القيد النظري، فإنهم مع مخالفتهم للأحاديث الصحيحة، ومعارضتهم لمذاهب الأئمة الأربعة وأقوال السلف يختلقون عللاً من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من الأئمة المتبوعين، ومن آثارها استباحة ما يحرم من الغناء والموسيقى عندهم أيضاً، ولنضرب على ذلك مثلاً، قد يكون لأحدهم زوجة وبنون وبنات ، كالشيخ الغزالي مثلاً الذي يصرح وقد يتباهى! بأنه يستمع لأم كلثوم ومحمد بن عبد الوهاب الموسيقار ( ! ) وأضرابهما، فيراه أولاده بل وربما تلامذته، كما حكى ذلك هو في بعض كتاباته، فهل هؤلاء يستطيعون أن يميزوا بعلمهم ومراهقتهم بين الموسيقى المثيرة فيصمّون آذانهم عنها، وإلا استمروا في الاستماع إليها! تالله إنه لفقه لا يصدر إلا من ظاهري جامد بغيض، أو صاحب هوى غير رشيد.

لقد ذكّرني هذا بتفريق المذهب الحنفي بين الخمر المتخذ من العنب، فهو حرام كله، لا فرق بين قليله وكثيره، وبين الخمر المتخذ من غير العنب كالتمر ونحوه؛ فلا يحرم منه عندهم إلا الكثير المسكر!

أما كيف التفريق عملياً بين القليل غير المسكر فيه ، والكثير المسكر ، وإن أمكن ذلك فمتى؟ أقبل تعاطيه؟! أم بعد أن يسكر؟! فهذا مما سكتوا عنه، وتركوا الأمر للشارب! كما فعل مثل ذلك الشيوخ المشار إليهم من التفريق بين الموسيقى المثيرة المحرّمة، والموسيقى غير المثيرة المباحة!! فهل يقول بهذا من يؤمن بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: ". . ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه". وقوله صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنَّة، التي عليها قامت قاعدة "سد الذريعة"، والتي تعتبر من كمال الشريعة، وأشاد بها الشيخ القرضاوي نفسه، في مقدمة كتابه "الحلال والحرام"؟! وضرب لها ابن القيم عشرات الأمثلة من الكتاب والسنَّة ، فراجعها فإنها هامة.

وقد مهد لهم في الإنكار والتضعيف بعض المشهورين من العلماء المعاصرين، كالشيخ يوسف القرضاوي، تقليداً منه للشيخ محمد أبو زهرة - وقد تقدمت فتواه في ذلك، ولعله من تلامذته الذين تخرجوا من مدرسته، ورضعوا من لبانته - فقد صرّح في كتابه "الحلال والحرام " بقوله ( ص 291 الطبعة 12) تحت عنوان (الغناء والموسيقى):
"ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس، وتطرب له القلوب، وتنعم به الآذان: الغناء . . ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة"!

واستروحَ في ذلك إلى مذهب ابن حزم، وتضعيفه لأحاديث التحريم، فنقل ( ص 293) عنه أنه قال:
" كل ما روي فيها باطل موضوع"!
وتجاهل الشيخ عفا الله عنّا وعنه الردود المتتابعة مرّ السنين على ابن حزم من قِبَل أهل الاختصاص في الحديث وحفاظه، وممن هو أعلم منه فيه، كابن الصّلاح وابن تيمية وابن حجر وغيرهم ممن يأتي ذكرهم.

كما تجاهل المبالغة الظاهرة في حكم ابن حزم على الأحاديث بالبطلان والوضع، فإنه لا يلزم من وجود علّة في الحديث الحكم عليه بالوضع، ولا سيما إذا كان في "صحيح البخاري"، كما لا يخفى على المبتدئين في هذا العلم، فكيف وهناك أحاديث أُخرى صحيحة أَيضاً كما سيأتي، فلو كانت ضعيفة لأعطى مجموعها للموضوع قوّة، فالحكم عليها كلها بالبطل والوضع - مما لا شك فيه - أنه ظاهر البطلان!

ولقد سار على هذا المنوال من التجاهل لعلم ذوي الاختصاص صاحبه الكاتب الشهير الشيخ محمد الغزالي المصري، في كتابه الأخير:"السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" تجلى فيه ما كان يبدو منه أحياناً في بعض كتبه ومقالاته التي يبثها هنا وهناك من الانحراف عن الكتاب والسنّة، وفقه الأئمة أيضاً، خلافاً لما يوهم قراءه بمثل قوله في مقدمة كتابه المذكور ( ص 11 ):
"وأؤكد أولاً و أخيراً أنني مع القافلة الكبرى للإسلام، هذه القافلة التي يحدوها الخلفاء الراشدون والأئمة المتبوعون والعلماء الموثوقون، خلفاً بعد سلف، ولاحقاً يدعو لسابق".

وهذا كلام جميل، ولكن أجمل منه العمل به وجعله منهج حياة، ولكن مع الأسف الشديد هو من الكلام الذي يقال في مثله:(اقرأ تفرح، جرِّب تحزن) إذ أن الرجل قد انكشف مذهبه أخيراً بصورة جليّة جداً، أنه ليس "مع القافلة الكبرى . ." إلخ، بل ولا مع الصغرى!.
وإنما هو مع أولئك (العقلانيين الشُذَّذ) الذين لا مذهب لهم إلا اتباع ما تزينه لهم عقولهم، فيأخذون من كل مذهب ما يحلو لهم؛ مما شذَّ وندَّ ، وقد قال بعض السلف: " من حمل شاذ العلم حمل شراً كبيراً"، ومع ذلك فهو يحشر نفسه في زمرة الفقهاء الذين يستدركون على المحدِّثين شذوذاً أو علة خفيت عليهم ، والحقيقة أن الرجل لا علم عنده بالحديث ولا بالفقه المستنبط منه ، وإنما هي العشوائية العمياء المخالفة لما عليه علماء المسلمين من المحدثين والفقهاء في أصولهم وفروعهم , فهو إذا صادم رأيه حديث صحيح نسفه بدعوى باطلة من دعاويه الكثيرة ، فيقول مثلاً: ضعفه فلان ، وهو يعلم أن غيره ممن هو أعلم منه أو أكثر عدداً صححه ، كما هو موقفه من حديث البخاري الآتي في ( المعازف ) ، وتارة يرده بدعوى أنه حديث آحاد ! وهو يعلم أيضاً أن خبر الآحاد حجة في الفقهيات والعمليات بالاتفاق ، وإذا لم يستطع رفضه لسبب أو آخر رد العمل به بقوله: ليس قطعي الدلالة ، وهو يعلم أيضاً أنه لا يشترط ذلك عند العلماء ، وإنما يكفي فيها الظن الراجح عندهم ، وإلا قلبْنَا عليه دعواه ورددنا عليه كل مخالفاته لأنها لم تبن يقيناً على دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، وإلا لم يكن هناك خلاف ! وإن كان الحديث في العمليات والغيبيات رده بقوله: "لا يتصل بعقيدة ، ولا يرتبط به عمل " ! أو قد يختلق له معنى من فكره هو في نفسه باطل ، فيلصقه بالحديث ، وهو منه بريء ! وأما كلام العلماء في الدفاع عن الحديث وتفسيره بعلم ، فهو يستعلي عليه ويرفضه طاعناً فيهم بما هو أهل له وأولى به ، كمثل قوله ( ص 29 ) :
" نقول نحن: هذا الدفاع كله خفيف الوزن ، وهو دفاع تافه لا يساغ !! " .

يعارض به العلماء وهم شرّاح الحديث المازري والقاضي عياض والنووي الذي عنه نقل الكلام المشار إليه ولكنه دلَّس على القرَّاء ، فإنه ابتدأ المنقول بقوله: " قال المازري . . . " . وجاء في آخر المنقول: " واختاره المازري والقاضي عياض " .
وهذا من تمام الكلام المنقول . وإنما نقله عن " شرح النووي لمسلم " ، والنووي هو الذي قال: " قال المازري . . " إلخ .

فكان عليه أن يعزوه إليه ، ولكنه لم يفعل لأنه يعلم منزلة الإمام النووي وشهرته عند المسلمين ، فلم ير من سياسته أن ينبه أيضاً إلى " تفاهته " !!
تلك بعض مواقفه المذبذبة تجاه الأحاديث الصحيحة المرفوضة عنده .
أما إذا كان الحديث ضعيفا أو لا أصل له ، فهو يجعله صحيحاً قوياً مسنداً بعقله المشرِّع! يبطل به ما صح في الشرع ! فيقول رداً على من ضعَّفه أو قد يضعفه:
" لكن معناه متفق مع آية من كتاب الله ، أو أثر من سنَّة صحيحة ...'' .

انظر كلمته في مقدمة كتابه " فقه السيرة " حول تخريجي لأحاديثه تحت عنوان " حول أحاديث الكتاب " تجد تحته تصريحه بأنه يصحح الحديث الضعيف عند المحدثين، ويضعِّف الصحيح عندهم ، بناء على ماذا ؟ أَعلى الشروط المعروفة عند علماء الحديث وحكاها هو في أوَّل كتابه " السنَّة " ( ص 14- 15 ) ذرّاً للرماد في العيون ؟ كلا فهو في قرارة نفسه لا يؤمن بها ، والله أعلم ولئن آمن بها ، فهو لا يحسن تحقيقها ، وإنما اعتماده مجرد رأيه وزعمه أن معناه صحيح ! ولا يشعر المسكين بمبلغ الضلال الذي وقع فيه بسبب إعجابه برأيه واستخفافه بعلم الحديث وبأهله أنه ألحق نفسه بتلك الطائفة من الكذابين والوضّاعين الذين كانوا كلما رأوا حكمة أو كلاماً حسناً جعلوه حديثاً نبوياً ، فلما ذُكِّروا بقوله صلى الله عليه وسلم: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " قالوا: نحن لا نكذب عليه ، وإنما نكذب له !! ذلك هو موقف كل ( من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم . . ) الآية . بل هو قد يزيد عليهم فيبطل بمثله حكماً شرعياً ثابتاً بالأحاديث الصحيحة، وأعني بذلك قوله ( ص 18 ) :
" وقاعدة التعامل مع مخالفينا في الدين ومشاركينا في المجتمع أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، فكيف دم قتيلهم ؟ " .

أقول فيه من المخالفات للشرع والعلم ما يأتي:
أولاً: قوله: " لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا " ، يشير إلى حديث ذكره بعض فقهاء الحنفية ممن لا علم عندهم بالحديث ؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في أهل الذِّمَّة ، وهو حديث لا أصل له في شيء من كتب السنَّة كما أشار إلى ذلك الحافظ الزيلعي الحنفي في "نصب الراية " ، وهو مخرج في المجلد الخامس من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " برقم (2176 ) وهو تحت الطبع .
ثانياً: هذه الجملة التي صيروها حديثاً مستقلاً ، هي في الحقيقة قطعة من حديث صحيح، وَرَد فيمن أسلم من المشركين ، فهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: " لهم ما لنا وعليهم ما علينا " هكذا هو في " سنن الترمذي " وغيره من حديث سلمان رضي الله عنه، وفي " صحيح مسلم " وأبي عوانة ، وابن حبَّان ، وابن الجارود من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه ، وهما مخرَّجان في " الإرواء " ( ص 1247 ) و " صحيح أبي داود " ( 2351 2352 ).

فأبطل الغزالي هذا الحديث الصحيح برأيه الفج ، وجهله الفاضح بالسنَّة متوكئاً على الحديث الذي لا أصل له ! تالله إنه لو لم يكن في كتابه إلا هذه المخالفة بل الطامّة لكان كافياً لإهباط قيمة كتابه ، وإسقاط مؤلفه من زمرة الفقهاء ! أما الكتابة فهي له ! أما العلم والفقه فله رجال !! فكيف وهناك عشرات بل مئات الطامَّات التي تولى بيان بعضها ( ! ) إخواننا الأساتذة والمشايخ الذين ردوا عليه ، جزاهم الله خيراً .

ومنها:
ثالثاً: لقد أشار بقوله: " فكيف بهدر دم قتيلهم ؟ " إلى إنكاره لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مسلم بكافر " وهو صحيح أيضاً ، رواه البخاري وغيره عن علي ، والترمذي وغيره عن ابن عمرو وغيرهما ، وهو مخرَّج في " الإرواء " ( 2208 2209 ) ، وبه أخذ جمهور العلماء ، ومنهم ابن حزم في " المحلَّى " الذي قلده فيما أخطأ ؛ وفي إبطاله لحديث ( المعازف ) ، ولم يقلده هنا وقد أصاب ! فاعتبروا يا أولي الألباب .

وأما الحديث الذي يذكره بعض الكتاب المعاصرين كالمودودي رحمه الله تقليداً لمذهبه الحنفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلماً بذميِّ ! فهو منكر لا يصح كما قال بعض الأئمة ، وقد تكلمت عليه في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " برقم ( 460 ) مفصَّلاً .
ثم إنني لأتساءل أنا وكل ذي لب منصف: لِمَ أهدر الشيخ الغزالي العمل بهذا الحديث الصحيح وهو موافق لعموم قوله تعالى: ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون ) ؟ وإن كان قد سيق في غير هذا السياق ، فإن الغزالي نهم في التمسك بعموم القرآن ولو كان مخصصاً بالأحاديث النبوية ! والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها ما تقدم قريباً من إنكاره على كافة العلماء محدِّثين وفقهاء جعلهم ديّة المرأة على النصف من دية الرجل، ونسبهم إلى مخالفتهم لظاهر الكتاب يعني قوله تعالى: ( النفس بالنفس ) !

رابعاً: تأمل معي أيها القارئ الكريم ، تلطُّف الشيخ الغزالي مع أعداء الله: اليهود والنصارى بقوله: " مخالفينا في الدين " وقد يقول فيهم أحياناً: " إخواننا " ! وقابل ذلك بمواقفه العديدة تجاه إخوانه في الدين كيف يشتد على علمائهم الأموات منهم والأحياء، وبخاصة طلاب العلم منهم ، وقد مرت بك قريباً بعض الأمثلة مما قاله في أهل الحديث وشرّاحه ، فيا ترى أذلك مما أودعه في كتابه " خلق المسلم " ؟ ! أم هو مخالفة صريحة لمثل قوله تعالى: ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) ؟ ! وقوله عز وجل: ( يا أيها الذي آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ؟ !
تلك نماذج قليلة ، من مواقف للشيخ الغزالي كثيرة ، تجاه الأحاديث النبوية الصحيحة، والأحاديث الضعيفة ، يأخذ منها ما يشاء ، ويرفض منها ما خالف هواه ، دون أن يستند في ذلك على قاعدة تذكر عند أحد من العلماء ، بل هي العشوائية العمياء ، كما تقدم .

ذكرت ذلك ليتبين القراء طريقته في رفضه للأحاديث الصحيحة عند أهل الاختصاص من العلماء ، فلا هو منهم علماً حتى يستطيع معرفة الصحيح من الضعيف انطلاقاً من قواعدهم وكتابه " فقه السيرة " بتخريجي إيّاه ، وما تقدم من الأمثلة دليل قاطع على ذلك ولا هو معهم كما قال الله تعالى: ( وكونوا مع الصادقين ) وقال: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، ومقدمته لتخريجي المشار إليه وما سبق من الأمثلة أيضاً يؤكد كل ذلك ، فمن لم يكن من أولئك العلماء ، ولا هو معهم ، فالأحرى به أن يكون لسان حاله - على الأقل - كما قال ذلك الشاعر الجاهلي:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويتُ وإن ترشَد غزيّة أرشد

وختام ذلك موقفه من حديث البخاري في المعازف ، وأسلوبه في تضعيفه إيّاه ، فهذا وحده يكفي للدلالة على أنه لا ينطلق في نقده للأحاديث إلاّ من الهوى ، والظن الأَعمى ! فقد قال: ( ص 66- 67 ) لأحد علماء الخليج ، وهو يناقشه في ليلة النصف من شعبان: " أظن الأَحاديث التي وردت في ليلة النصف أقوى من الأحاديث التي وردت في تحريم الغناء " !
وظنه هذا كاف لإدانته بالجهل وإلقاء الكلام على عواهنه ، مما يذكرني بقوله تعالى في الكفار الشاكين في البعث: ( ما ندري ما السّاعة إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين ) فإن أحاديث ليلة النصف إن كان المقصود منها ما يتعلق بالأمر بقيام ليلها وصيام نهارها - كما هو الظاهر من مناقشته لذلك العالم - فهو حديث واحد لا يوجد سواه ، وإسناده ضعيف جداً- بل هو موضوع في نقدي - كما هو مبين في المجلد الخامس من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " برقم ( 2132 ) يسّر الله طبعه . وإن كان المقصود حديث المغفرة لجميع الخلق إلا من استثني فيه ، فهو حديث واحد أيضاً جاء من طرق عن جمع من الصحابة وبألفاظ مختلفة ، لا يسلم طريق منها من علة ، ولذلك ضعّفها أكثر العلماء كما قال ابن رجب، وصحح أحدها ابن حبّان ، وفيه انقطاع ، فمن الممكن تصحيحه أو تحسينه على الأقل لتلك الطرق ، ومن أجلها خرجته في " السلسلة الصحيحة " ( 1144 ) ، وجعلته من حصة كتابي الجديد " صحيح موارد الظمآن " ( . . . / 1980 ) ، وهو تحت الطبع ، فأين هذا من أحاديث تحريم الغناء والموسيقى وكثرتها ، وصحّة أسانيد الكثير منها ، مع اتفاق ألفاظها على تحريمها ، كما يأتي بيانه ؟ ! فأين هذه الأحاديث من تلك أيّها المُتهوِّك ، ومعذرة من الكاتب الأديب مع غير إخوانه المسلمين ، فهذا الوصف مع كونه بحق ، فهو أقل بكثير مما شتمت به سلفنا وعلماءنا ، وطلاب السنّة العاملين بها ، بحيث لو أراد أحدهم أن يرد إليك بضاعتك هذه لما استطاع إلا أن يكون سليط اللسان كاتباً مثلك!

ثم ذكر الغزالي رد العالم الخليجي عليه ، فقال عنه:
" فأجاب مستنكراً: هذا غير صحيح ! إن تحريم الغناء وآلاته ثابت في السنّة النبوية " .
قلت: وهذا حق لا يزيغ عنه إلا هالك .

ثم قال الغزالي:
" قلت له: تعال نقرأ سوياً ما قاله ابن حزم في ذلك الموضوع ، ثم انظر ماذا تفعل . . قال ابن حزم . . " .

كذا قال ، ولم يذكر ما جرى فيما بعد بينهما ، ولعل ذلك العالم أفهمه بأن هذا ليس من أساليب العلماء ، وإنما هو أسلوب الجهلة المقلدين الذين يحتجّون بأقوال العلماء ، ولو كانت مخالفة للكتاب والسنّة ، وإنما العالم الذي يقرع الحجة بالحجة ، فإذا رضيت لنفسك الاحتجاج بابن حزم فماذا تقول في علماء الإسلام من المحدثين والفقهاء الذين ردوا على ابن حزم تضعيفه لحديث البخاري وغيره ، كابن الصّلاح والنووي وابن تيمية وابن القيّم وغيرهم كما يأتي ؟ لو قيل له هذا ، لأبى واستكبر وقال: عنزة ولو طارت !

والمقصود الآن بيان ما في نقل الرجل عن ابن حزم ، لقد سوّد ثلاث صفحات ساق فيها عشرة أحاديث آخرها حديث البخاري الذي أعلّه ابن حزم بعلتين: الانقطاع ، وتردد الراوي في اسم الصحابي كما سيأتي ، فلم يذكر هذه ، وذكر مكانها قوله:
" ومعلقات البخاري يؤخذ بها ( ! ) لأنها في الغالب متصلة الأسانيد ، لكن ابن حزم يقول: إن السند هنا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد راوي الحديث " .

وليس غرضي الآن الرد على ابن حزم ، فهو إسناد متصل ، والرد عليه آت ، وإنما بيان جهل هذا الناقل عن ابن حزم فأقول:
أولاً: قوله: " ومعلقات البخاري يؤخذ بها . . " .

فيه خطأ وتدليس:
أما الخطأ ، فلأن الأخذ ليس على إطلاقه في علم المصطلح الذي لا قيمة له عنده مطلقاً ، إلا إذا وافق الرأي أو الهوى ، وإنما ذلك إذا كان التعليق بصيغة الجزم مثل ( روى ) و ( عن ) و ( قال ) كما في هذا الحديث ، وبتفصيل يذكر في محله من هذه الرسالة إن شاء الله ( ص 39 40 ) و ( 82 85 ) من الفصل الثالث .

وأما التدليس فهو قوله: " يؤخذ بها " بالبناء للمجهول أي عند غيره وأما هو فلم يقل: " نأخذ بها " ؛ لأنه قد لا يأخذ بها كما فعل هنا ، وكيف لا ، وهو كثيراً ما لا يقبل ما رواه البخاري موصولاً ، ولو كان معه مسلم وبقية الستة بل الستين من الأئمة ! وقد مضت بعض الأمثلة .

ثانياً: هو يجهل أن هشام بن عمار من شيوخ البخاري ، فقوله: " قال هشام بن عمار . . . " ليس تعليقاً ، بل هو متصل ، لأنه لا فرق بالنسبة للبخاري بين قوله: " قال هشام " أو: " حدثني هشام " كما سيأتي بيانه في ( الفصل الثالث ) المشار إليه آنفاً ، وبكلام قوي لابن حزم نفسه أيضاً ! .

ثالثاً: لم ينتبه وهو اللائق به لخطأ ابن حزم في قوله: " لم يتصل ما بين البخاري وصدقة " فإن الانقطاع المزعوم إنما هو بين البخاري وهشام ، فإنَّ هشاماً بين البخاري وصدقة كما سيرى القرّاء ذلك جلياً في سنده الآتي ( ص 39 ) .

رابعاً: ومن باب أولى أن لا يتنبه لغلو ابن حزم وشدته في رد ما لا يعلم من حديث نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا غرابة في ذلك فإن الطيور على أشكالها تقع ! فله النصيب الأوفى مما قيل فيه: " لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان " ! أعني ما قاله ابن حزم في الحديث الثامن الذي نقله الغزالي عنه: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوتين ملعونين: صوت نائحة ، وصوت مغنية " . فقال فيه ابن حزم: " لا ندري له طريقاً ، وهذا لا شيء " !

وفي نقل الغزالي عنه ( ص 69 ) : " وسنده لا شيء " !
فقول ابن حزم: " وهذا لا شيء " من تشدده وتنطعه ، فإن العلماء يقولون فيما لم يجدوا له طريقاً أو إسناداً: " لا نعلم له أصلاً " أو مع المبالغة: " ليس له أصل " كما يقول بعض الحفّاظ المتقدمين كالعقيلي ، والأول هو الصواب ، وبخاصة لمن لم يكن من حفّاظ الحديث والمتخصصين فيه كابن حزم ، ذلك هو الواجب في أمثاله ومقلديه كالغزالي خشية أن يقعوا في تكذيب حديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقل إثماً عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال تعالى في المشركين: ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) ، فإن الحديث المذكور ، له إسنادان من حديث عبد الرحمن ابن عوف وأنس بن مالك ، أخرجهما جمع من الحفّاظ المشهورين كما يأتي في محله من الرسالة ، منهم الطيالسي والبزّار وهما من الحفّاظ المعروفين عند ابن حزم ، وممن أشاد هو بمسنديهما ، كما نقله عنه الحافظ الذهبي في " السير " ( 18 / 202 ) ، والحديث في " الترغيب " وغيره كما يأتي ، فلم لم يرجع الغزالي إليه ، لا أريد أن أقول: إنه كالنعامة مع الصياد !
خامساً: لم يروِ الغزالي غليله في رد الحديث بقول ابن حزم المتقدم: " وهذا لا شيء " ، بل حرّفه فقال: " وسنده لا شيء " كما تقدم .

وهذا من بالغ جهله بهذا العلم ، أو شدة غفلته ، لسيطرة الهوى عليه ، وقديماً قيل: " حبك الشيء يعمي ويصم " ، ذلك لأن هذا القول المُحرَّف لا يلتئم مع قول ابن حزم: " لا ندري له طريقاً " ، إذ لا يصح في عقل إنسان أن يجمع بين هذا النفي المطلق للطريق وهو السّند ، وبين إسناده للسند ولو مع الإشارة لضعفه بقوله: " وسنده لا شيء " !! وذلك في مكان واحد ! فاعرف نفسك أيها الشيخ تعرف ربك ، وتأدب بتأديب رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه " . " التعليق الرغيب " ( 1 / 66 ) .

فاعرف أيها الشيخ وأنت على حافة قبرك قدر علماء الحديث والسّنة ، وفقهاء هذه الأمة ، ولا تشذ عنهم قيد شعرة ، مغتراً بجدلك وقلمك وكتابتك ، ونبينا صلوات الله وسلامه عليه يقول: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " . متفق عليه . وأنت تعلم يقيناً أن الحياة المادية بله الحياة الدينية لا تستقيم في مجتمع إذا لم يعتمد أفراده في كل علم على ذوي الاختصاص منهم ، ولا حاجة لضرب الأمثلة على ذلك ، فالأمر بدهيّ جداً فلا يرجع مثلاً من كان يريد معرفة صحة حديث أو فقهه ، إلى كاتب أو داعية إسلامي ، لا يدري ما الحديث وما الفقه ، ولا يدري أصولهما ، ولا المصادر التي يجب الرجوع إليها ، أو يدري ولا يتمكن من ذلك لسبب أو آخر ، كما قيل:
وإذا لم تر القمر بازغاً فسلم لأناس رأوه بالأبصار

فلا أنت منهم وما أظن يبلغ بك الكبر أو المكابرة أن تنكر ذلك ، ولا أنت سلمت لهم ، بل نصَبت نفسك للرد عليهم ، مع الاستهزاء بأقوالهم والسخرية بهم ، كأنك لم تعلم ، أو علمت ولم تؤمن بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: " الكبر بطر الحق وغمص الناس " " الصحيحة " ( 134 و 1626 ) . وقوله: " ثلاث مهلكات: شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه " . " الصحيحة " ( 1802 ) . وقوله: " لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم أكثر من ذلك: العجب " . " الصحيحة " ( 658 ) . فاخشَ ما خشي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا كنت من الهالكين .

هذه نصيحة أوجهها إليك والدين النصيحة وأنت على حافة قبرك مثلي ، وإلى كل من سلك سبيلك في الخروج على المحدثين ، والفقهاء ، وما أكثرهم في هذا الزمان ، كذاك السّقّاف ، وظله المدعو ( حسان عبد المنّان ) الذي اشتط في تتبع الأحاديث الصحيحة وتضعيفها ، مخالفاً لحفّاظ الحديث ونقّادها ، متظاهراً أنه مجتهد في ذلك غير مقلد ، مموهاً على القرّاء بأمور مخالفة للواقع ، وقد تيسر لي الرد عليه في بعض ما ضعّف ، وبينت أنه متسلق على هذا العلم ، يريد البروز والظهور ، ويصدق عليه قول الحافظ الذهبي: " وكيف يطير ولما يريش ! " ومن تلك الأحاديث حديث البخاري هذا ، وقد تفنن في تضعيفه ، وجاء بما لم تأت به الأوائل ! حتى ولا ابن حزم ، وقد بينت جهله في ذلك ، وإنكاره وقلبه للحقائق مفصلاً في " الاستدراكات " آخر المجلد الأول من الطبعة الجديدة من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ، ولعله ييسر لي ذكر شيء من ذلك في رسالتي هذه أثناء تبييضها إن شاء الله تعالى .

فيا أيها الشيخ ! لعل هذا المعتدي على الأحاديث الصحيحة وأمثاله ، هم ثمرة من ثمارك المُرّة ، في تهجمك على السّنة الصحيحة وأئمتها ، وعدم الاعتداد بأقوالهم تصحيحاً وتضعيفاً ، حتى انتشرت الفوضى العلمية وضربت أطنابها ، بين صفوف الأمة وشبابها ، وصار الواحد منهم يصحح ويضعّف حسبما يشتهي ويهوى ، فتب إلى الله تبارك وتعالى من هذه السنة السيئة وأمثالها ، وإلا كان عليك وزرها ووزر من اتبعك عليها ، وسله تعالى حسن الخاتمة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
" إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة ، [ وإنما الأعمال بالخواتيم ] " . متفق عليه ، والزيادة للبخاري . " ظلال الجنة " ( 1 / 96 97 ) .

لتحميل كتاب: تحريم آلات الطرب، للشيخ الألباني رحمه الله،
إضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق