الاثنين، 21 أغسطس 2023

نظرتي لإعاقتي

نظرتي لإعاقتي

مجموعة مقالات كتبتها حول نظرتي الشخصية للإعاقة، لعلها تفيد إخواني من ذوي الهمم

هل أنا معاق؟

يرفض الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة وحتى الأسوياء مصطلح "المعاق"، معللا رفضه بأن الإعاقة ليست في الجسم، إنما في العقل والإرادة وغير ذلك.
أمّا عن نفسي فلا أجد ما يمنع من وصفي بالمعاق، لأنني فعلا معاق عن ممارسة بعض النشاطات الحركية بصفة طبيعية،
معاق عن صعود أو نزول سلم بدون مساعدة الغير،
معاق عن خوض مغامرات ممتعة في الجبال والأدغال مع الأصدقاء،
معاق عن ركوب الحافلة بالكرسي المتحرك،
معاق عن ممارسة وظائف معيّنة لا تناسب فئتي.
معاق عن تجاوز 10 سم من ارتفاع رصيف.
معاق عن تغيير مصباح غرفتي!
إذن؛
نعم أنا معاق، هذا هو الواقع، فلماذا أنكر ذلك؟
والحمد لله على كل حال، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
وفي المقابل، لست معاقا في كثير من مجالات الحياة، وهذا من نعم الله عليّ، إذ حرمني من شيء وأكرمني بنعم لا تحصى، منع بحكمته، ومنح برحمته، فله الحمد أولا وآخرا.
وقد وصف الله عز وجل الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم بالأعمى في مقام عتاب نبيه صلى الله عليه وسلم فيه، إذ قال:{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰۤ (١) أَن جَاۤءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ (٢) وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّهُۥ یَزَّكَّىٰۤ (٣) }
[سُورَةُ عَبَسَ: ١-٣].
وقال عز وجل في كتابه: { لَّیۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِیضِ حَرَجࣱۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ وَمَن یَتَوَلَّ یُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِیمࣰا }
[سُورَةُ الفَتۡحِ: ١٧]
فلا أجد حرجا من وصفي بالمعاق، لكن بشرط أن يكون ذلك على سبيل الإخبار ووصف الحال، لا على سبيل الانتقاص والازدراء والتعيير كما يفعل معاقو العقول.
والله المستعان


قصة السيارة والنظارات:

قبل سنوات، وفي طريقي لأداء صلاة العشاء بكرسي الإعاقة، رأيت سيارة متوقفة وبجانبها نظارات ملقاة على الأرض، قلت لعلها لصاحب السيارة، توجهت إلى صاحبها لأشير عليه أن ينظر إلى النظارات.
فلما اقتربت، وجدت داخلها رجلين، سائق شاب ورجل مسن (تبدو عليه هيئة التحضّر والتمدن كما يقال)، فإذا بالثاني بعد أن رآني، يقول للسائق (ولعله إبنه):
قل له لا يوجد قل له لا يوجد "قوللو ماكانش قوللو ماكانش"، ثم نظر إلي مشيرا بيديه: "ماكانش"؛ أي لا يوجد لدينا مال لنعطيك-حسب فهمي-.
وبقيت أشاهد حركاته إلى أن تفاجأت برجل أمامي، لا أدري من أين جاء، وهو يقول لهما ما معناه: إنه لم يأت ليسألكما مالا، ثم انحنى رافعا النظارتين وهو يقول لهما: إنه فقط وجد هذا فظن أنه لكما.
حينها قلت للرجل المسنّ وأنا أبتسم: لست متسولا "مانيش طلّاب"، فرد عليّ بابتسامة كأنها ممزوجة بالخجل:
"بارك الله فيك، بارك الله فيك".
للأسف، يعاني المعاق في مجتمعنا عموما ببلاءين: قصور في جسده، وقصور في نظرة الكثير من الناس إليه.
ويا فَوْزَ من صبر على البلاءين.

أنا والرصيف:

من الأمور التي تزعجني وتحرجني بصفتي من ذوي الإعاقة؛
عندما أذهب إلى مركز التسوق" السوبيرات" القريب من المنزل، لأشتري إحدى الأغراض الخاصة، التي لولا الضرورة ما خرجت لأجلها،
ولأن الرصيف -كما هو الحال في مدينة حملة 3- ليس مهيئا لتسهيل ولوج ذوي الكراسي المتحركة للأسف، أبقى على حافة الطريق محاولا تنبيه البائعين على وجودي في انتظار أحدهم كالعادة، والمحرج في الموضوع أن البائع عندما يتعذر عليه الخروج إلي بسبب انشغاله مع الزبائن-وهو معذور على كل حال-، يطل عليّ من داخل المحل ويسأل بصوت عال: "واش تحتاج آشّيخ؟" أو يرسل إليّ زبونا لينظر ماذا أريد، وقد يكون هذا الزبون مراهقا على سبيل المثال!
مما يضطرني إلى الاعتذار والتوجه إلى محل آخر، لعل البائع يكون متفرغا فيخرج إلي بنفسه.
هذا الموقف هو نموذج لما يعانيه المعاق بسبب عجزه عن دخول المحلات والمرافق والمؤسسات لعدم تهيئة أماكن ولوج مخصصة لفئته، والله المستعان.


فوائد الإعاقة:

تأملت في فوائد الإعاقة، فوجدت منها خمسا:


1️⃣يحضى المعاق عموما بمعاملة خاصة من طرف الناس، لا سيما إذا لقيهم بوجه طلق.

2️⃣ترفع عنه بعض التكاليف من باب التخفيف رحمة من رب لطيف.


3️⃣
لا تقبل به زوجا إلا المرأة الصالحة على العموم.

4️⃣المعاق سبب في رزق ونصر من يحسن إليه بإذن الله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم".


5️⃣
يفتح له باب عظيم من أبواب الصبر لينال به عظيم الأجر بما ابتلي به في بدنه أو سمعه أو بصره، قال تعالى:"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، والموفق من حافظ على هذا الباب ولم يضيعه بالتذمر والتسخط والاعتراض على قدر الله.
فلا تظن أيها المبتلى المؤمن الصابر أنك عالة على المجتمع، فربك لم يخلقك عبثا ولم يظلمك إذ جعلك على هذه الحال، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

البطارية:

من بين لواحق الكراسي الكهربائية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، تعتبر البطارية أهم عنصر بالنسبة لهم؛ حيث أن الشخص المعاق حركيا لا يستطيع التنقل باستقلالية بدون كرسي به بطارية مشحونة، تمكنه من الخروج من منزله لمزاولة حياته اليومية بشكل طبيعي نسبيا؛ من عمل، تسوق، دراسة، الصلاة في المسجد.

وكفاءة هذه البطارية تحدد المسافة التي يمكن للشخص المعاق حركيا قطعها؛ وكلما ضعفت البطارية مع الوقت، نقصت المسافة وضاقت دائرة الحركة، إلى أن يصير صاحبها عاجزا عن الابتعاد عن مصدر شحن البطارية لمدة طويلة.

وأذكر قبل سنوات، عندما اقتربت بطارية كرسيي من التلف الكامل؛ حيث كنت آخذ معي الشاحن كل يوم لأعيد شحنها في محل الأخ "رشيد"، الذي يقع في منتصف طريقي إلى العمل، أو أتصل بالأخ "فريد" سائق السيارة الخاصة بنقل ذوي الاحتياجات الخاصة، التابعة لجمعية مكافحة الشلل النصفي لولاية باتتة، لأكمل طريقي فيها إلى مقر العمل.

جزى الله خيرا الأخ رشيد والأخ فريد، وكل من ساعدتي في تلك الفترة الصعبة وأمثالها من فترات تراجع كفاءة البطارية وقرب تلفها.
تلك الفترات التي يصعب أو يستحيل على الشخص السليم الإحساس بشدتها، حين تصل إلى منتصف الطريق وتنظر إلى مؤشر البطارية في قلق ولا تدري هل ستصل قبل نفاد الشحن أم يتوقف بك الكرسي في الطريق.
لذلك، أحب التنبيه على أن أكثر ذوي الإعاقة الحركية الذين يستخدمون هذه الكراسي، ليس لديهم دخل كاف لشراء البطارية بسبب ثمنها الباهض، ولا يضر الإخوة ممن آتاهم الله وفرة في المال، أن ينظروا لهذا الجانب ويغتنموا فرصة إعانة إخوانهم -ولا أقصد نفسي- على توفير هذا العنصر المهم في حياتهم، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق